فصل: الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تغَالوا فِي الْكَفَن؛ فَإِنَّهُ يسلب سلبًا سَرِيعا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِهِ سَوَاء، وَلم يُضعفهُ، وَسَمَاع الشّعبِيّ من عليٍّ مُخْتَلف فِيهِ، وَفِيه مَعَ ذَلِك عَمْرو بن هَاشم الْجَنبي وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَضَعفه مُسلم، ووهاه ابْن حبَان، وَقَالَ خَ: فِيهِ نظر عَن أبي إِسْحَاق. وَقَالَ أَحْمد: هُوَ صَدُوق، لكنه لم يكن صَاحب حَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لين الحَدِيث، يكْتب حَدِيثه. وَأما ابْن الْقطَّان وَالْمُنْذِرِي وَالنَّوَوِيّ فَإِنَّهُم قَالُوا: إِنَّه حَدِيث حسن. وَجزم عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِأَن الشّعبِيّ رَأَى عليًّا، وَتعقبه ابْن الْقطَّان فَقَالَ: فِيهِ نظر، وَقد قيل للدارقطني: سمع الشّعبِيّ من عليٍّ؟ قَالَ: سمع مِنْهُ حرفا، مَا سمع مِنْهُ غير هَذَا. ثمَّ بسط الْكَلَام فِي ذَلِك، وَقَالَ فِي آخِره: إِن سَمَاعه مِنْهُ مُخْتَلف فِيهِ. وَجزم الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو أَحْمد الْكَرَابِيسِي: رَآهُ.
فَائِدَة: تغَالوا: بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَرَأَيْت بِخَط بَعضهم أَنه بإهمالها أَيْضا. وَقَوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فَإِنَّهُ يسلب سلبًا سَرِيعا» أَي: ينْزع عَنهُ، فيبدل مِنْهُ، إِمَّا خيرا مِنْهُ إِن كَانَ من أهل الْخَيْر، وَإِمَّا شرًّا إِن كَانَ من أهل الشَّرّ، أَو لِأَنَّهَا تتمزق من الْمهل والصديد. قَالَه صَاحب المستعذب عَلَى الْمُهَذّب.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

«أَن أم عَطِيَّة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها لما غسلت أم كُلْثُوم بنت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا عَلَى الْبَاب؛ فناولها إزارًا وَدِرْعًا وخمارًا وثوبين».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَهُوَ فِي مُسْنده عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنِي نوح بن حَكِيم الثَّقَفِيّ، وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ عَن رجل من بني عُرْوَة بن مَسْعُود يُقَال لَهُ: دَاوُد- قد وَلدته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان زوج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لَيْلَى بنت قانف- بنُون ثمَّ فَاء- الثقفية الصحابية رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «كنت فِيمَن غسل أم كُلْثُوم بنت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ أول مَا أَعْطَانَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الحقا، ثمَّ الدرْع، ثمَّ الْخمار، ثمَّ الملحفة، ثمَّ أدرجت بعد فِي الثَّوْب الآخر، وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس عِنْد الْبَاب مَعَه كفنها، يناولنا ثوبا ثوبا». لم يُضعفهُ أَبُو دَاوُد، فَهُوَ صَالح للاحتجاج بِهِ عِنْده، وَأما ابْن الْقطَّان: فَإِنَّهُ أعله بِأَن قَالَ: ابْن إِسْحَاق لَا يُقَال لما يرويهِ: حسن إِذا لم يكن لما يرويهِ عِلّة غَيره، فَأَما هَذَا فَإِن نوح بن حَكِيم؛ رجل مَجْهُول الْحَال، وَلم تثبت عَدَالَته بِكَوْنِهِ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ، فَمَا كل قَارِئ مرضِي، وَأما هَذَا الرجل الثَّقَفِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ دَاوُد فنحدس فِيهِ حدس لَا يقطع النزاع، وَلَا يدْخلهُ فِي بَاب من يقبل حَدِيثه، وَذَلِكَ أَن هُنَاكَ دَاوُد بن أبي عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، وَهُوَ رجل مَعْرُوف، يروي عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وجماعات، وهومكي ثِقَة. قَالَه أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ، وَلَا نجزم القَوْل بِأَنَّهُ هُوَ، وَمُوجب التَّوَقُّف فِي ذَلِك هُوَ أَنه الَّذِي وصف فِي الْإِسْنَاد بِأَنَّهُ قد وَلدته أم حَبِيبَة، وَأم حَبِيبَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها إِنَّمَا كَانَت لَهَا بنت وَاحِدَة قدمت بهَا من أَرض الْحَبَشَة، كَانَت ولدتها من زَوجهَا عبيد الله بن جحش، وَاسم هَذِه الْبِنْت حَبِيبَة، فَلَو كَانَ زوج حَبِيبَة هَذِه هُوَ عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود أمكن أَن يُقَال: إِن دَاوُد الْمَذْكُور ابْنه مِنْهَا، فَهُوَ حفيد لأم حَبِيبَة، وَهَذَا لَا نقل بِهِ، وَلَا تحقق لَهُ، بل الْمَنْقُول خِلَافه، وَهُوَ أَن زوج حَبِيبَة هَذِه دَاوُد بن عُرْوَة بن مَسْعُود، كَذَا قَالَ أَبُو عَلّي بن السكن وَغَيره، فداود الَّذِي لأم حَبِيبَة عَلَيْهِ ولادَة لَيْسَ دَاوُد بن أبي عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود، إِذْ لَيْسَ أَبُو عَاصِم زوجا لحبيبة، وَلَا هُوَ بِدَاوُد بن عُرْوَة بن مَسْعُود، الَّذِي هُوَ زوج حَبِيبَة؛ فَإِنَّهُ لَا ولادَة لأم حَبِيبَة عَلَيْهِ؛ فَالله أعلم من هُوَ، فَالْحَدِيث من أَجله ضَعِيف، هَذَا آخر كَلَامه.
ونوح الَّذِي ادَّعَى جهالته ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَجعل دَاوُد الْمَذْكُور هُوَ ابْن أبي عَاصِم الثِّقَة، وَتَبعهُ الْمزي، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده حسن، إِلَّا رجلا وَاحِدًا لَا أتحقق حَاله، وَقد سكت عَنهُ أَبُو دَاوُد فَلم يُضعفهُ، وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ نوح بن حَكِيم، وَقد علمت حَاله، وَجزم فِي خلاصته بِأَن إِسْنَاده حسن، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن: هَذَا حَدِيث غَرِيب. ثمَّ قَالَ: فِيهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَفِيه مقَال، وَأكْثر مَا عابوا عَلَيْهِ التَّدْلِيس، وَقد صرح فِي هَذَا الحَدِيث بِالتَّحْدِيثِ، فيحتج بِهِ وَيكون حسنا. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر أَيْضا فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق.
فَائِدَة: الحقا: بِكَسْر الْحَاء، وَتَخْفِيف الْقَاف، مَقْصُور، كَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة، قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين: ولعلها تكون لُغَة فِي الحِقْو. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: الحقا: يُقَال لَهُ: الحقْو، بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا، وَهُوَ الْإِزَار والمئزر.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حمل جَنَازَة سعد بن معَاذ بَين العمودين».
هَذَا الحَدِيث ذكره الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ- تَعَالَى- عَن بعض أَصْحَابه، فَقَالَ كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن الرّبيع عَنهُ: قَالَ قَائِل: لَا يحمل بَين العمودين هَذَا عندنَا مستنكر، فَلم يرض أَن جهل مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَنْقُلهُ، حَتَّى عَابَ قَول من قَالَ بِفعل هَذَا، قَالَ الشَّافِعِي: وَقد رَوَاهُ بعض أَصْحَابنَا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه حمل فِي جَنَازَة سعد بن معَاذ بَين العمودين». وروينا عَن بعض أَصْحَابه أَنهم فعلوا ذَلِك، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: وروينا ثبتًا عَن بعض أَصْحَابه دون مَا رُوِيَ فِيهِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: «رَأَيْت سعد بن أبي وَقاص فِي جَنَازَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَائِما بَين العمودين المقدمين، وَاضِعا السرير عَلَى كَاهِله». وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيحَيْنِ. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل حمل الْجِنَازَة أَيْضا عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد عَرفته من فعل سعد، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي من فعل عُثْمَان، وَأبي هُرَيْرَة، وَابْن الزبير، وَقد ذكرته بأسانيده إِلَيْهِم فِي تخريجي لأحاديث الْمُهَذّب، فَرَاجعه مِنْهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا من فعل ابْن عمر، فَقَالَ: أبنا بعض أَصْحَابنَا عَن ابْن جريج، عَن يُوسُف بن مَاهك «أَنه رَأَى ابْن عمر فِي جَنَازَة رَافع- يَعْنِي ابْن خديج- قَائِما بَين قائمتي السرير». وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام بن عمار، ثَنَا معن، ثَنَا هَارُون مولَى قُرَيْش قَالَ: «رَأَيْت الْمطلب بَين عمودي سَرِير جَابر بن عبد الله». قَالَ يَعْقُوب: كَانَ عندنَا خَارِجَة، فَقَالَ هِشَام: جَابر. وَرَوَى أَيْضا بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن مَاهك قَالَ: «شهِدت جَنَازَة رَافع بن خديج، وفيهَا ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، فَانْطَلق ابْن عمر حَتَّى أَخذ بِمقدم السرير بَين القائمتين، فَوَضعه عَلَى كَاهِله، ثمَّ مَشَى بهَا». قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَرَوَى الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم حَدِيث ابْن عمر عَن حَمَّاد بن مدرك، عَن ابْن جريج. وَيذكر عَن يَحْيَى بن عبد الله «أَن أُسيد بن حضير مَاتَ، ويكنى أَبَا يَحْيَى، وَحمله عمر بَين عمودي السرير حَتَّى وَضعه».

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «إِذا تبع أحدكُم الْجِنَازَة فليأخذ بجوانب السرير الْأَرْبَعَة ثمَّ ليتطوع بعد أَو ليذر؛ فَإِنَّهُ من السّنة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده، وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن أَبِيه قَالَ: «من اتبع جَنَازَة فليحمل بجوانب السرير كلهَا؛ فَإِنَّهُ من السّنة، ثمَّ إِن شَاءَ فليتطوع، وَإِن شَاءَ فَليدع». وَهَذَا لفظ ابْن مَاجَه، وَلَفظ الْأَوَّلين مَا سلف، وَلم يُضعفهُ الْبَيْهَقِيّ، وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن أَبَا عُبَيْدَة لم يدْرك أَبَاهُ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: هَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْدِي، قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث اخْتلف فِي إِسْنَاده؛ فَقيل: عَن عبيد بن نسطاس، عَن أبي عُبَيْدَة، رَوَاهُ كَذَلِك مَنْصُور، وحدَّث بِهِ عَنهُ جمَاعَة. وَخَالفهُم أَبُو حنيفَة رَحِمَهُ اللَّهُ- تَعَالَى- فَرَوَاهُ عَن مَنْصُور وَوهم فِي إِسْنَاده، جعله عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن عبيد بن نسطاس، عَن ابْن مَسْعُود، وَأسْقط أَبَا عُبَيْدَة، وَالصَّحِيح: عَن مَنْصُور عَن عبيد بِهِ. وَقيل: عَن مَنْصُور، عَن قيس بن السكن، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه. وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبيد بن نسطاس، عَن أَبِيه، عَن أبي عُبَيْدَة، عَن أَبِيه. قلت: وَفِي «مُصَنف بن أبي شيبَة»: ثَنَا يَحْيَى بن سعيد، عَن ثَوْر، عَن عَامر بن جشيب وَغَيره من أهل الشَّام قَالُوا: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: «من تَمام أجر الْجِنَازَة أَن يشيعها من أَهلهَا، وَأَن يحمل بأركانها الْأَرْبَعَة، وَأَن يحثو فِي الْقَبْر» وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَقد جَاءَ فِي فضل من حمل السرير عَلَى هَذِه الْحَالة حَدِيث ثَوْبَان الْمَرْفُوع: «من اتبع جَنَازَة فَأخذ بجوانب السرير الْأَرْبَع غفر لَهُ أَرْبَعُونَ ذَنبا كلهَا من الْكَبَائِر». وَحَدِيث أنس الْمَرْفُوع: «من حمل قَوَائِم السرير الْأَرْبَع إِيمَانًا واحتسابًا حط الله- عَزَّ وَجَلَّ- عَنهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَة». وَلَا يصحان، فِي الأول سوار بن مُصعب الْهَمدَانِي الْمَتْرُوك، وَفِي الثَّانِي: عَلّي بن أبي سارة الشَّيْبَانِيّ؛ وَهُوَ مَتْرُوك أَيْضا؛ لَا جرم ذكرهمَا ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله.

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة الزُّهْرِيّ، عَن سَالم عَن أَبِيه بِهِ. وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ زِيَادَة: «وَعُثْمَان». وَرُوِيَ مُرْسلا عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَأهل الحَدِيث يرَوْنَ أَنه أصح. قَالَه ابْن الْمُبَارك، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الصَّوَاب مُرْسل، وَوَصله خطأ. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة: يَا أَبَا مُحَمَّد، خالفك النَّاس فِي هَذَا الحَدِيث. فَقَالَ سُفْيَان: استيقن الزُّهْرِيّ، حَدثنِي مرَارًا لست أحصيه، سَمِعت من فِيهِ يُعِيدهُ ويبديه عَن سَالم، عَن أَبِيه. وَلما رَوَى الطَّبَرَانِيّ: عَن ابْن الإِمَام أَحْمد، عَن أَبِيه، عَن حجاج بن مُحَمَّد، عَن ابْن جريج، عَن زِيَاد بن سعد، عَن الزُّهْرِيّ، حَدثنِي سَالم، عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يمشي بَين يَدي الْجِنَازَة». وَبِه «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر يَمْشُونَ أمامها» قَالَ عبد الله قَالَ أبي- يَعْنِي: أَحْمد-: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَن الزُّهْرِيّ مُرْسل، وَحَدِيث سَالم فِعْلُ ابْن عمر، وَحَدِيث ابْن عُيَيْنَة كَأَنَّهُ وهم. وَاخْتَارَ الْبَيْهَقِيّ تَرْجِيح الْوَصْل؛ لِأَن الَّذِي وَصله سُفْيَان وَهُوَ ثِقَة حَافظ إِمَام، وَقد أَتَى بِزِيَادَة عَلَى من أرسل، فَوَجَبَ تَقْدِيم قَوْله، وتابع ابْن عُيَيْنَة عَلَى رَفعه ابنُ جريج وَزِيَاد بن سعد وَمَنْصُور وَبكر وَغير وَاحِد وَاخْتَارَ ذَلِك ابْن حبَان قبله، فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن سُفْيَان لم يسمع هَذَا الْخَبَر من الزُّهْرِيّ. ثمَّ أخرجه من حَدِيث الْحميدِي، نَا سُفْيَان، نَا الزُّهْرِيّ- غير مرّة أشهد لَك عَلَيْهِ- قَالَ: أَخْبرنِي سَالم، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر يَمْشُونَ أَمَام الْجِنَازَة» فَقيل لِسُفْيَان: فِيهِ «وَعُثْمَان»؟ قَالَ: لَا أحفظه. قيل لَهُ: فَإِن بعض النَّاس لَا يَقُوله إِلَّا عَن سَالم. فَقَالَ: حدّثنَاهُ الزُّهْرِيّ أشهد لَك عَلَيْهِ. وَقيل لَهُ: كَانَ ابْن جريج يَقُوله كَمَا تَقوله وَيزِيد فِيهِ «عُثْمَان» قَالَ سُفْيَان: لم أسمعهُ ذكر «عُثْمَان».
ثمَّ قَالَ ابْن حبَان: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر أَخطَأ فِيهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، ثمَّ أخرجه من حَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم: «أَن عبد الله بن عمر كَانَ يمشي بَين يَديهَا، وَأَبا بكر وَعمر وَعُثْمَان». قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَذَلِكَ السّنة. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله اخْتِلَافا كثيرا فِي هَذَا الحَدِيث. وَمن ذَلِك: رِوَايَة شُعَيْب بن حَمْزَة وَغَيره عَن الزُّهْرِيّ، ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح عَن الزُّهْرِيّ قَول من قَالَ: عَن سَالم، عَن أَبِيه: «أَنه كَانَ يمشي، وَقد مَشَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وعمرُ». قَالَ: وَرُوِيَ عَن شريك، عَن خَالِد بن ذُؤَيْب، عَن الزُّهْرِيّ: «رَأَيْت ابْن عمر يمشي أَمَام الْجِنَازَة». قَالَ: وَالزهْرِيّ وَإِن كَانَ لَقِي ابْن عمر فَإِن هَذَا القَوْل وهم؛ لِأَن الْحفاظ رَوَوْهُ عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم «أَنه رَأَى ابْن عمر...» وَهُوَ الصَّوَاب. وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أنس كَحَدِيث ابْن عمر، قَالَ البُخَارِيّ: وَهِي خطأ، ومرسلا أصح. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ آثارًا كَثِيرَة عَن الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي الْمَشْي أمامها، ثمَّ ذكر بَابا فِي الْمَشْي خلفهَا، أَحَادِيث كلهَا ضَعِيفَة، ثمَّ قَالَ: الْآثَار فِي الْمَشْي أمامها أَكثر وأصح.

.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «قَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْجِنَازَة حَتَّى تُوضَع، وَقَامَ النَّاس مَعَه، ثمَّ قعد بعد ذَلِك وَأمرهمْ بالقعود».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِمَعْنَاهُ، وَهَذَا لَفظه: «قَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي فِي الْجِنَازَة- ثمَّ قعد». وَفِي لفظ لَهُ: «قَامَ فقمنا، ثمَّ قعد فَقَعَدْنَا» وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بلفظين: أَحدهمَا: «قَامَ عَلَى الْجَنَائِز حَتَّى تُوضع، ثمَّ قعد». وَثَانِيهمَا: «كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقيامِ فِي الْجَنَائِز، ثمَّ جلس بعد ذَلِك وأمرنا بِالْجُلُوسِ». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طرق، فِي بَعْضهَا كَرِوَايَة مُسلم، وَفِي بَعْضهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيّ بِحُرُوفِهِ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَامَ مَعَ الْجِنَازَة حَتَّى تُوضَع، وَقَامَ النَّاس مَعَه، ثمَّ قعد، وَأمرهمْ بالقعود».
وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن عليًّا رَأَى نَاسا قيَاما ينتظرون الْجِنَازَة أَن تُوضَع، فَأَشَارَ إِلَيْهِم بدرة مَعَه أَو سَوط أَن اجلسوا؛ فَإِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جلس بَعْدَمَا كَانَ يقوم» وَفِي سنَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي سَبَب الْقعُود قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم فِي الْجِنَازَة حَتَّى تُوضَع فِي اللَّحْد، فَمر حبر من الْيَهُود فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعل. فَجَلَسَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: اجلسوا؛ خالفوهم». وَإسْنَاد هَذَا ضَعِيف؛ فِيهِ بشر بن رَافع- وَلَيْسَ بِحجَّة- عَن ابْن جُنَادَة، وَفِيه نظر كَمَا قَالَ البُخَارِيّ، وَقَالَ أَيْضا: هَذَا حَدِيث مُنكر، لم يُتَابع عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا أَدْرِي البلية من سُلَيْمَان بن جُنَادَة أَو من بشر. وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يحفظ ذكر الحبر إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد عَن عليٍّ قَالَ: «لم يقم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مرّة، ثمَّ لم يعد» وإسنادها أَيْضا ضَعِيف، وقَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدِيث عَلّي- يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُسلم- أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ نَاسخ لحَدِيث عَامر بن ربيعَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَغَيرهمَا من الْأَحَادِيث الثَّابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِالْقيامِ لمن مرت بِهِ جَنَازَة حَتَّى تخلفه أَو تُوضَع، وَأمر من مَعهَا أَن لَا يقْعد عِنْد الْقَبْر حَتَّى تُوضَع» حَتَّى قَالَ سليم الرَّازِيّ والمحاملي وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا: يكره الْقيام لَهَا إِذا لم يُرد الْمَشْي مَعهَا. وَخَالف صَاحب التَّتِمَّة فِي ذَلِك وَقَالَ: يسْتَحبّ ذَلِك، وَهُوَ قوي، وَبِه صحت الْأَحَادِيث بِالْأَمر بِالْقيامِ، وَلم يثبت فِي الْقعُود إِلَّا حَدِيث عليٍّ السالف، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي النّسخ، بل لَيْسَ فِيهِ نسخ؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل الْقعُود لبَيَان الْجَوَاز، وَهَذَا اخْتَارَهُ من الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ، وَمن الْحَنَابِلَة ابْن عقيل. ثمَّ ذكر من حَدِيث عليٍّ وَعبادَة مَا يشْهد لذَلِك، وَلذَلِك قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي إِعْلَامه: حَدِيث عَلّي مُحْتَمل النّسخ، إِلَّا أَن قَوْله فِي حَدِيث سَخْبَرَة: «مَا فعل ذَلِك إِلَّا مرّة فَلَمَّا نهي انْتَهَى» صَرِيح فِي النّسخ. قلت: لَكِن فِي سَنَده لَيْث بن أبي سليم، وحالته وَكَلَام النَّاس فِيهِ مَعْلُوم سلف.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْمَشْي بالجنازة، فَقَالَ: دون الخبب، فَإِن يَك خيرا عجلتموه إِلَيْهِ، وَإِن يَك شرًّا فبعدًا لأهل النَّار، الْجِنَازَة متبوعة، وَلَا تتبع، لَيْسَ مَعهَا من يقدمهَا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث يَحْيَى بن عبد الله التَّمِيمِي عَن أبي ماجدة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «سَأَلنَا نَبينَا عَن الْمَشْي مَعَ الْجِنَازَة، فَقَالَ: مَا دون الخبب، إِن يكن خيرا يُعجَّل إِلَيْهِ، وَإِن يكن غير ذَلِك فبعدًا لأهل النَّار، والجنازة متبوعة وَلَا تتبع، لَيْسَ مَعهَا من يقدمهَا». هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «سَأَلنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَشْي خلف الْجِنَازَة، قَالَ: مَا دون الخبب، فَإِن كَانَ خيرا عجلتموه، وَإِن كَانَ شرًّا فَلَا يُبعد إِلَّا أهل النَّار...» وَالْبَاقِي بِمثلِهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه مُخْتَصرا بِلَفْظ: «الْجِنَازَة متبوعة». وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث يَحْيَى الجابر أَو الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن أبي ماجدة، وَهُوَ حَدِيث واه لأجل يَحْيَى الجابر وأبي ماجدة، أما يَحْيَى فضعفوه، مِنْهُم أَحْمد وَيَحْيَى وَالْبُخَارِيّ، قَالَ أَحْمد: لَيْسَ بشيءِ؛ إِنَّمَا يحدث عَن أبي ماجدة، وَذَلِكَ غير مَعْرُوف. وَأما أَبُو ماجد وَيُقَال لَهُ: أَبُو ماجدة أَيْضا، واسْمه عَابِد بن نَضْلَة كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم، وَهُوَ حَنَفِيّ، وَيُقَال: عجلي؛ فمجهول مُنكر الحَدِيث، قَالَ التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَجْهُول. زَاد الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث رَوَى عَنهُ يَحْيَى الجابر إِن كَانَ حفظ عَنهُ، سَمِعت ابْن حَمَّاد يَقُوله عَن النَّسَائِيّ. وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد بعد أَن رَوَى هَذَا الحَدِيث فِي كناه: أرَى أَبُو ماجدة هَذَا غير أبي ماجدة الْحَنَفِيّ الَّذِي حَدِيثه لَيْسَ بالقائم، وَهَذَا قَول آخر فِي الْفرق بَينهمَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَسمعت البُخَارِيّ يضعِّفه، قَالَ مُحَمَّد: قَالَ ابْن عُيَيْنَة: قيل ليحيى: مَنْ أَبُو ماجدة؟ قَالَ: طَائِر طَار فحدثنا. وَفِي رِوَايَة عَن يَحْيَى: إِنَّه مُنكر الحَدِيث. قلت: وَفِي تَارِيخ البُخَارِيّ هَذِه الْحِكَايَة أَيْضا، لكنه قَالَ: «طَارِئ طَرَأَ علينا فحدثنا» بدل مَا ذكره التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: لَا يعرف حَاله. وَخَالف ابْن حبَان فَذكره فِي الثِّقَات من التَّابِعين، وَقَالَ: اسْمه عَلّي بن ماجدة، أَظُنهُ أَنا هُوَ. وَأخرج الْحَاكِم حَدِيثا لأبي ماجدة فِي الْحُدُود من مُسْتَدْركه وَقَالَ: إِنَّه صَحِيح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف؛ يَحْيَى الجابر ضَعِيف، وَأَبُو ماجدة وَقيل: أَبُو ماجد مَجْهُول، وَفِيمَا مَضَى كِفَايَة. يُرِيد الحَدِيث الصَّحِيح الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَسْرعُوا بالجنازة، فَإِن تَكُ صَالِحَة فَخير تقدمونها عَلَيْهِ، وَإِن تَكُ سُوَى ذَلِك فشر تضعونه عَن رِقَابكُمْ». وَسقط للْبُخَارِيّ: «عَلَيْهِ». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «قربتموها إِلَى الْخَيْر».

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا اسْتهلّ السقط صلي عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من حَدِيث جَابر والمغيرة بن شُعْبَة، أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن أبي الزبير، عَنهُ مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «و وُرِّثَ». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث قد اضْطربَ النَّاس فِيهِ، فَرَوَاهُ بَعضهم عَن أبي الزبير عَن جَابر مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ أَشْعَث بن سوار وَغير وَاحِد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَوْقُوفا، وَكَأن الْمَوْقُوف أصح. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْمَوْقُوف أولَى بِالصَّوَابِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: اخْتلف فِي رفع الحَدِيث عَلَى عَطاء، فرفعه عَنهُ ابْن الصَّباح، وَوَقفه مُحَمَّد بن إِسْحَاق؛ رَوَاهُ عَن عَطاء عَن جَابر قَوْله. وروُي عَن أبي الزبير عَن جَابر، أسْندهُ يَحْيَى بن أبي أنيسَة عَنهُ، وَوَقفه إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَوْله، وروُي عَن شريك، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا، وَلَا يَصح ذَلِك، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: عِلّة هَذَا الحَدِيث أَن أَبَا الزبير عنعن فِيهِ عَن جَابر، وَلَيْسَ هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَفِيه مَعَ ذَلِك إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. ورده ابْن حزم بِأبي الزبير أَيْضا وَقَالَ: إِنَّه مُدَلّس. وَلم يذكر أَنه سَمعه من جَابر، وَذكره الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه هُنَا مَرْفُوعا مستشهدًا بِهِ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح. قلت: وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي كتاب الْفَرَائِض بِدُونِ إِسْمَاعِيل، رَوَوْهُ فِي حَدِيث سُفْيَان عَن، أبي الزبير، عَن جَابر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا اسْتهلّ الصَّبِي وُرِّث وَصلي عَلَيْهِ» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَلم أَجِدهُ من حَدِيث الثَّوْريّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَوْقُوفا، فَكنت أحكمُ بِهِ. ثمَّ رَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث الْمُغيرَة بن مُسلم، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا: «إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ورث، صلي عَلَيْهِ». ثمَّ قَالَ: لَا أعلم أحدا رَفعه عَن أبي الزبير غير الْمُغيرَة، وَقد أوقفهُ ابْن جريج وَغَيره، وَقد كتبناه من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر مَرْفُوعا فَذكره كَمَا سلف، وَاعْترض صَاحب الْإِلْمَام عَلَى الْحَاكِم فَقَالَ: أَبُو الزبير لَيْسَ من شَأْن البُخَارِيّ فِي الْأُصُول. وَأما حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي هَذَا الْبَاب، وَأحمد فِي مُسْنده بِلَفْظ: «الرَّاكِب يسير خلف الْجِنَازَة، والماشي عَن يَمِينهَا وشمالها قَرِيبا مِنْهَا، والسقط يصلَّى عَلَيْهِ ويدعى لوَالِديهِ بالعافية وَالرَّحْمَة» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَأقرهُ عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي آخر كِتَابه الاقتراح قَالَ الْحَاكِم: وَشَاهده حَدِيث جَابر- يَعْنِي السالف- قَالَ: والشيخان لم يحْتَجَّا بِإِسْمَاعِيل بن مُسلم، يَعْنِي الْمَذْكُور فِي حَدِيث جَابر. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من قَول الْمُغيرَة، ثمَّ قَالَ: لم يرفعهُ سُفْيَان. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: رُوِيَ مَرْفُوعا، وَأَنا لَا أحفظ رَفعه وَرَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة أَيْضا إِلَّا أَنهم قَالُوا «الطِّفْل» بدل «السقط» كَذَا هُوَ فِي إِحْدَى روايتي أَحْمد وَالْحَاكِم، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح.
تَنْبِيه: ذكر الشَّيْخ فِي الْمُهَذّب هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَلم أر من خرجه من هَذَا الْوَجْه، وَقد بيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه لَهُ: إِنَّه غَرِيب.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

ورد فِي الْخَبَر: «أَن الْوَلَد إِذا بَقِي فِي بطن أمه أَرْبَعَة أشهر نفخ فِيهِ الرّوح».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، خبر عَظِيم الْموقع، وَهُوَ أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من رِوَايَة عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الصَّادِق المصدوق: «إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك، ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك، ثمَّ يُرْسل الْملك فينفخ فِيهِ الرّوح، وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات: بِكَتْب رزقه، وأجله، وَعَمله وشقي أَو سعيد، فوالذي لَا إِلَه غَيره إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة، حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها، وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها».

.الحَدِيث الْحَادِي بعد الثَّلَاثِينَ:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِغسْل أَبِيه أبي طَالب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن نَاجِية بن كَعْب الْكُوفِي، عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «لما مَاتَ أَبُو طَالب أتيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: إِن عمك الضال قد مَاتَ. فَقَالَ: انْطلق فواره، وَلَا تُحدِثن حَدثا حَتَّى تَأتِينِي. فَانْطَلَقت فواريته، فَأمرنِي فاغتسلت فَدَعَا لي زَاد الْبَزَّار بدعوات، مَا يسرني أَن لي بهَا حمر النعم وسودها» وَلأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: «قَالَ لي قولا مَا أحب أَن لي بِهِ الدُّنْيَا» وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة: «مَا يسرني أَن لي بِهن مَا عَلَى الأَرْض من شَيْء» وَرَوَاهُ أَحْمد عَن وَكِيع عَن سُفْيَان، وَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن يَحْيَى بن سعيد عَن سُفْيَان وَالنَّسَائِيّ عَن عبيد الله بن سعيد ثَنَا يَحْيَى عَن سُفْيَان قَالَ: حَدثنِي أَبُو إِسْحَاق، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن ابْن مثنى عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق، وَهَذِه أَسَانِيد جَيِّدَة.
وَنَاجِيَة قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: شيخ. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَلَا أَدْرِي لماذا توقف فِيهِ ابْن حبَان. وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ شُعْبَة وَالثَّوْري وَإِسْرَائِيل وَشريك وَزُهَيْر وَقيس وورقاء وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية عَن عَلّي وَخَالفهُم الْحُسَيْن بن وَاقد وأَبُو حَمْزَة السكرِي فروياه عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَلّي، ووهما فِي ذكر الحَدِيث، وَذكر فِيهِ من الِاخْتِلَاف غير هَذَا، ثمَّ قَالَ: وَالْمَحْفُوظ قَول الثَّوْريّ وَشعْبَة وَمن تابعهما عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية عَن عَلّي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فرات الْقَزاز عَن نَاجِية أَيْضا، وَرَوَى نَحوه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن عَلّي وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية عَن عَلّي، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا الثَّوْريّ وَشعْبَة وَشريك عَن أبي إِسْحَاق وَرَوَاهُ الْأَعْمَش عَنهُ عَن رجل عَن عَلّي ثمَّ قَالَ: وَنَاجِيَة هَذَا لم تثبت عَدَالَته عِنْد صَاحِبي الصَّحِيح، وَلَيْسَ فِيهِ أَنه غسله. قَالَ: وَلَا نعلم أحدا رَوَى عَن نَاجِية غير أبي إِسْحَاق.
قلت: وَرَوَى عَنهُ أَبُو حسان الْأَعْرَج وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ من وَجه آخر ضَعِيف هَكَذَا. ثمَّ سَاقه وَبَين ضعفه، ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أُسَامَة وَقَالَ: مُنكر لَا أصل لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عَلّي من أوجه أخر هَكَذَا، وَإِسْنَاده ضَعِيف، وَيروَى عَن عَلّي من قَوْله وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَلّي، ثمَّ قَالَ: هَذَا غلط وَالْمَشْهُور عَن أبي إِسْحَاق عَن نَاجِية عَن عَلّي. قَالَ: وَرُوِيَ فِي ذَلِك عَن الْحَارِث عَن عَلّي من قَوْله. وَحَاصِل كَلَام الْبَيْهَقِيّ تَضْعِيفه وَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ فِي كتاب الأمالي الشارحة لمفردات الْفَاتِحَة: إِنَّه حَدِيث ثَابت مَشْهُور، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَصَاحب السّنَن. هَذَا لَفظه فَالله أعلم.